بسم الله الرحمن الرحیم
و إن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين
جوامع
سید حسن نصرالله، دبیر کل حزب‌الله لبنان: بیانات در روز اربعین 1432

بیانات

4 بهمن 1389

سخنرانی سید حسن نصرالله، دبیر کل حزب الله لبنان، در روز اربعین 1432

|عربی|عکس|فیلم|فیلم|صوت|
در حال ترجمه
بخش‌هایی از متن بیانات:

ما در پی قدرت و خواهان دولت نیستیم. ما تا سال ۲۰۰۵ گرچه بارها به این مسئله دعوت شدیم ولی وارد هیچ کابینه‌ای در لبنان نشدیم. در آخرین سال پیش از شهادت جناب رفیق حریری بسیار به بنده اصرار کردند در کابینه‌ی بعدی مشارکت کنیم ولی بنده به آن‌ها می‌گفتم ما نمی‌خواهیم وارد کابینه شویم. ما هیچ وقت وزارت، مدیریت و دولت نخواسته‌ایم. همه‌ی چیزی که به دولت‌های مختلف می‌گفتیم و همچنان می‌گوییم این است که: برادران، ما مقاومت هستیم. ما یک جنبش مقاومتیم که خود را برای دفاع و حفظ کشور و کرامت لبنانیان و عرب، سربلندکردن لبنانیان و عرب و بازگرداندن خاک و اماکن مقدس نذر کرده‌ایم. فقط ازتان دو چیز می‌خواهیم. یک: ما را رها کنید. علیه ما توطئه نکنید. ما را نکشید. از پشت به ما خنجر نزنید. حتی از شما نمی‌خواهیم از ما محافظت کنید. هیچ چیز نمی‌خواهیم جز این که علیه ما توطئه نکنید. همین برایمان بس است. عزیز من از ما چه می‌خواهید؟ بنده این را به بسیاری افراد گفته‌ام. ما مردمی هستیم که داریم می‌رویم در جنوب بمیریم. جوانان ما از بعلبک و دورترین مناطق هرمل می‌آیند تا در جنوب کشته شوند. ما می‌خواهیم کشته شویم. شما به ما می‌خندید و می‌گویید ما مردمان ساده و بدبختی هستیم که پروژه‌ی سیاسی نداریم و پروژه‌مان شهادت است. خیلی خب. برادر، ما خودمان می‌خواهیم شهید شویم رهایمان کنید شهید شویم. دیگر به ما از پشت خنجر نزنید. بگذارید با تیری که از رو به رو می‌آید کشته شویم نه تیری که از پشت سر می‌آید. ما بر سر دولت، وزارت و قدرت با شما رقابت نکرده‌ایم. کی کرده‌ایم؟

عربی:

أعوذ بالله من الشيطان الرجیم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين وعلى الأرواح التي حلّت بِفِنَائك، عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعلَه الله آخر العهد منّي لزيارتكم . السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أيتام الحسين وعلى سبايا الحسين في يوم الأربعين.

السادة العلماء، الإخوة والأخوات، أيها المحبون والمواسون والمعزون وأصحاب العزاء، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

إنني في البداية أسأل الله تعالى أن يتقبل منكم جميعاً عزاءكم لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في يوم أربعين سيد الشهداء، وأنتم الذين أتيتم من كل أنحاء هذه المنطقة الزكية الأبية، منطقة البقاع إلى مدينة بعلبك لإحياء هذا الأمر ولإحياء هذه المناسبة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم خير الجزاء وأن يتقبل الله عملكم ومواساتكم ودموعكم وحزنكم وإرادتكم بأحسن القبول.

أيها الإخوة والأخوات، في هذه المناسبة العظيمة والجليلة أود أن أقول كلمة في المناسبة وكلمة في وضع المنطقة باختصار وكلمة حول المستجدات اللبنانية وخوصاً إننا نعيش أياماً مهمة وحساسة ومصيرية من تاريخ بلدنا.

أولاً في مناسبة ذكرى الأربعين، عندما نحييها هنا في بعلبك ويحييها الملايين من المحبين في مدينة كربلاء وفي كثير من مدن العالم، هي تجديد لما جرى يوم عاشوراء وما حدث من مواجهة دامية، هي صراع بين الحق والباطل وبين الوفاء والغدر وبين العدل والظلم. يوم الأربعين تجديد لذكرى عاشوراء، ويوم الأربعين ذكرى نستحضر فيها موكب السبايا ونستحضر فيها ما جرى بعد عاشوراء.

رحلة السبي الطويلة التي أرادها القَتَلة لأهداف ولم تكن خطوة عشوائية. رحلة السبي الطويلة الحزينة المأساويّة من كربلاء إلى الكوفة وعلى امتداد 2000 كيلومتر في ذلك الوضع، في تلك الظروف، وصولاً إلى بلاد الشام إلى الأراضي اللبنانية ـ حيث عبر هذا الموكب موكب الأحزان وموكب السبايا ـ عبر القاع واللبوة ومقنة وصولاً إلى مدينة بعلبك حيث تحتشدون الآن، ومن بعلبك إلى دمشق التي كانت في ذلك الحين عاصمة يزيد (بن معاوية).

هذا الموكب التاريخي الجهادي الحزين والصابر والمحتسب والصلب في الإرادة والقوي في العزم والشامخ في الإيمان والتوكل، كان يحوي فيما يحوي الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بقيّة النبوة والرسالة وأهل البيت ومجموعة كبيرة من النساء فيهنّ بنات وأحفاد رسول الله محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ونساء من زوجات أولئك الشهداء الشجعان الأوفياء الذين قتلوا في كربلاء وجمع من الأطفال الأيتام، ومع الموكب رأس أبي عبد الله الحسين عليه السلام ورأس أبي الفضل العباس عليه السلام ورؤوس الشهداء من أهل البيت وبني هاشم وصحابة الحسين الذين بَقُوا وَوَفُوا وقَضَوا وَمَضَوا مع الحسين عليه السلام.

هذا الموكب الذي كان يتألف من هذه الأجزاء العزيزة والغالية والمقدسة هو الذي كان يسير من مدينة إلى مدينة ومن بلدة إلى بلدة ومن صحراء إلى صحراء ومن تلّة إلى تلّة يُسْتَعرض به الأقوام والقبائل والعشائر وسكان المدن وسكان البلدات وفي ظروف قاسية وصعبة، السلاسل والقيود في الأيدي والأرجل، السياط تلهب الظهور والصدور، كلمات الشتم والسب والشماتة، التهديد الدائم بالقتل والتصفية، والمؤلم أكثر أنّ الناس الذين اهتدوا بجدّ هؤلاء وبدين جدّ هؤلاء وبتضحيات جدّ هؤلاء كان يتم إخراجهم في كل مدينة وفي بلدة وفي كل قرية ليقيموا الأعراس والأفراح ويطلقوا الزغاريد احتفاء بانتصار السلطة القاتلة التي قتلت حفيد رسول الله وبقية أبناء المهاجرين والأنصار في يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة (النبوية).

عندما أرادت السلطة لهذا الموكب  أن يمشي كلّ هذه المسافة الطويلة كانت تريد أن تحقق مجموعة من الأهداف منها إبراز الغلبة والقهر والاقتدار وهذا ما أشارت إليه زينب عليه السلام في خطبتها في قصر يزيد في دمشق، إبراز القوة والغلبة والقهر والقمع، ثانياً إبراز الشماتة وروحية الثأر وتجديد ما جرى في (معركة) بدر وقالوا "يوماً بيوم بدر"، ليقولوا للتاريخ وللأمّة أنّ ما جرى في كربلاء هو ردٌّ على محمدٍ وصحابة محمدٍ الذين قاتلوا وانتصروا في بدر على قريش وطواغيت قريش، إذلال آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، والمس بإرادتهم وبأملهم وبإيمانهم وبعزمهم وبثقتهم بالله وبثقتهم بالمستقبل وبوعد الله بأن ينصر أولياءه الصالحين. ومن جملة الأهداف إحباط هذه الأمّة وتهديد كل من يفكر بالقيام بالثورة والانتفاضة والوقوف بوجه الطاغية، أننا نقتلك ونقطع رأسك ونسبي نساءك فليس في الأمة سنة 61 للهجرة أعز من الحسين وأعظم من الحسين وأعلى مكانة من الحسين في وجدان الأمة وها هي السلطة تقتله وتقطع رأسه وتجوب برأسه ورؤوس أصحابه كل البلاد وتسبي نساءه حتى بنات النبي.

إذن، كان المطلوب من هذا الموكب أن يكون سياسة ترهيب وقمع وإحباط لكل من يمكن أن يفكر بأن ينطق بالحق في وجه سلطان جائر أو أن يقف أو أن يثور.

وينتفض ويجاهد ويتمرد، ولذلك أريد للموكب أن يجول في العراق وفي بلاد الشام، وهاتان المنطقتان كانتا الأكثر أهمية وحساسية وقدرة على تحديد الأمّة والخلافة والمستقبل السياسي.

لكن هذا القرار السلطوي الأموي كان مكراً من يزيد، وفي المقابل، هذه مسيرة منذ آدم يرعاه الله سبحانه وتعالى، الله تعالى هو الذي يرعى دينه ويكفل أنبياءه ويدافع عن أوليائه ويحفظ رسالته ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. هذا الموكب، موكب السبايا الذي أريد له أن يحقق هذه الأهداف كان الجزء المكمل الذي يحقق أهداف شهادة الحسين ودماء الحسين وصرخة الحسين يوم العاشر من محرم في كربلاء. ويذكّرني هذا المكر الإلهي بقصة إبراهيم عليه السلام وبقصة موسى عليه السلام، عندما أراد نمرود أن يحرق إبراهيم عليه السلام نادى في الناس وجمع الناس من كل أنحاء مملكته ليشهدوا إحراق إبراهيم وكانت المعجزة، وقال الله للنار أن "كوني بردا وسلاما على إبراهيم"، مكر نمرود ليقضي على إبراهيم قضاءً مبرماً ومكر الله سبحانه وتعالى في المقابل، فلو شاء إبراهيم أن يجول من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة ليجمع الناس حوله ويحدّثهم عن التوحيد ويظهر لهم المعجزة، كم من السنوات يحتاج، وكم من المعجزات يحتاج وكم من الجهد يحتاج. ولكنّ نمرود بمكره الخاطئ جمع له الناس جميعاً ليشهدوا جميعاً المعجزة الكبرى، وهذا ما حصل مع موسى عليه السلام، فلو كان موسى عليه السلام يريد أن يتنقل في مملكة فرعون من مدينة إلى مدينة ومن بلدة إلى بلدة ومن قبيلة إلى قبيلة ليحدّثهم عن التوحيد وليظهر لهم معجزته، كم من السنوات يحتاج، وكم من الجهد والوقت والمعجزات، إلاّ أنّ المكر السيئ الذي أحاط بفرعون دفعه لأن يجمع مصر كلها في يوم الزينة ويضع موسى أمام التحدي، وغلبت معجزة موسى سِحْرَ السَّحَرَة، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

لو أن يزيداً وابن زياد حملوا (الإمام) زين العابدين وزينب والنساء والأيتام والرؤوس وذهبوا بهم سرّاً إلى المدينة وتركوهم في المدينة ومنعوهم من الخروج منها هل كان سيصل صوت الحسين ودماء الحسين وكلمة الحسين ومظلومية الحسين وكل هذه القيم والمفاهيم والوقائع والعظمة والمبادئ التي كرّستها كربلاء، هل كانت ستصل إلى الأمّة سنة 60 وسنة 61 وسنة 62 وسنة 63 للهجرة؟ هل كانت ستصل إلينا بعد مئات السنين؟ ولكن هذا المكر الذي أراد شيئاً وأراد الله شيئاً آخر. صحيح كان فيه (السبي) معاناة وآلام وأحزان لزين العابدين والنساء والسبايا، ولكن هذا طريق الله وهذا هو طريق التحدي وهذه هي طريق التضحيات وهذا هو طريق بذل الدماء وماء الوجه والدموع وهذا هو طريق الأولياء طوال التاريخ.

هذا الموكب الذي خرج من كربلاء إلى الكوفة اجتمع بالناس الذين احتشدوا للاحتفاء بنصر يزيد وتحوّل إلى مجلس عزاء كبير جدّاً أبكت فيه زينب وسُكَيْنَة وفاطمة كل عين وكل قلب، وقالت لهم الحقيقة وعلى طول الدرب من الكوفة إلى نصيبين إلى حلب إلى حماة إلى حمص إلى بعلبك إلى دمشق، كان الخطاب حاضراً، كان تشريح الوقائع والحقائق حاضراً وقوياً حتى في الحالات التي حيل بين زينب وبين الكلام والخطابة كان يكفي هذا المشهد المأساوي وهذه الرؤوس وهذه الأيتام وهذه النساء الثكالى وهذا الإمام المقيد بالسلاسل. ويقترب الناس ويسألون من أنتِ أيتها السبيّة، من أنت أيها اليتيم، فيجابون بأنهم بنات محمد نبي هذه الأمة وأيتام محمد نبي هذه الأمة. كان هذا الواقع كافياً ليقلب الأمور رأساً على عقب، وكثير من المدن والقرى والبلدات التي استقبلت موكب السبايا بالأفراح قلبت أفراحها إلى أحزان عندما علمت أن هؤلاء ليسوا خوارج وأن هؤلاء ليسوا من الديلم وأن هؤلاء هم أحفاد محمد وأيتام محمد، وهذه الأمة كلها تقرأ في كتاب الله "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة بالقربى". المسلمون قد يختلفون في مسألة الإمامة والخلافة والولاية بعد رسول الله ولكنهم لا يختلفون في مودتهم لقربى رسول الله ومحبتهم لأهل بيت رسول الله عندما يعرف المسلمون من أهل المدن والقرى في العراق والشام أن هؤلاء هم القربى الذين أمر الله بمحبتهم وموّدتهم، كانت الأمور تتبدل وكانت الأمور تتغير، وسأذكر بعد قليل شاهداً على هذا المعنى وفي هذا السياق.

إذن، هذا الموكب في الحقيقة استطاع أن يبيّن الأمور، أن يستنهض الأمة، أن يكسر حواجز الخوف، أن يحمل معه دم الحسين إلى كل ارض، إلى كل شبر، إلى كل قلب، إلى كل عقل يحمل معه نور الهداية وشجاعة الثورة ومنطق القيام ورفض الذل والظلم، إن الذي حمل إلينا بعد مئات السنين هذا الشعار الذي نردده ونواجه به كل طواغيت  العالم عندما يريدون إذلالنا "هيهات منا الذلة"، الذي حمل إلينا هذا الشعار من كربلاء هم هؤلاء السبايا وهؤلاء الأيتام الذين كانوا في ظاهر الأمر أسرى وسجناء، ولكنهم كانوا في حقيقة الأمر الأحرار الحقيقيين في هذه الأمة، ولذلك نجد سرعان ما تحركت الثورات في الكوفة، في العراق، في أكثر من بلد إسلامي، فكانت ثورة التوابين والمختار وزيد بن علي عليه السلام وآخرين وآخرين حتى ثورة بني العباس لم تكن في البداية معروفة بأنها ثورة بني العباس، هذه الثورة التي اجتاحت ملك بني أمية خلال سنوات قليلة. كم بقي بني أميّة بعد الحسين عليه السلام؟ بنو أميّة كان مقدراً لهم أن يحكموا لمئات السنين، ولكن هذا الدم في كربلاء وصرخة السبايا من بلد إلى بلد أيقظت الأمة. العباسيون رفعوا شعار السواد حزناً على الحسين، ثورتهم كانت تحمل راية ثارات الحسين وإن كانت تخدع الأمة بانها ستسلم السلطة لمن يرتضيه آل محمد، باسم الحسين قامت الثورة الكبرى التي جرفت ملك بني أمية بعد سنوات قليلة وهذا ما كان ليكون لولا كربلاء وما جرى في كربلاء وما كان ليكون لولا الجزء المكمل وهو هذا الموكب العظيم والكبير والتاريخي.

لو أخذنا شاهدين سريعين لأنتقل إلى المقطعين الآخرين من كلمتي: عندما دخل الموكب إلى دمشق، ودمشق هي علامة فارقة، عندما نقول ما جرى في دمشق نستطيع أن نفهم ما جرى في غير دمشق، لأن دمشق في ذلك الحين كانت في قبضة يزيد، يسيطر عليها ثقافياً وإعلامياً ونفسياً، ومن الطبيعي أن تكون موالية لهذه السلطة  القائمة. ولكن حتى دمشق وأهلها، كيف تفاعلوا مع هذا الحدث، كيف تأثروا بهذا الحدث.

أنا أنقل نصّين: الأول في المسجد الكبير، ما يعرف الآن بالمسجد الأموي الكبير عندما أخذت السبايا إلى هناك وفي حضور يزيد ووزرائه ووجهاء القوم، كان علينا أن نفترض أن المسجد لم يكن ممتلئاً فقط بالناس العاديين، كان ممتلئاً  بزعماء القبائل ووجهاء القوم الذين دعاهم يزيد ليحتفلوا بانتصاره الكبير وبثأره العظيم  من بدر.

في كل الأحوال، علي بن الحسين عليه السلام سعى أن يقف في المسجد ليخطب بالناس فأبى عليه يزيد ذلك، ولكن الناس الموجودين قالوا له: ائذن له هذا، شاب في مقتبل العمر ومكسور الجناح "شو ممكن يحكي "خلي نشوف، نحن حابين أن نستمع شو ممكن أن يتحدث".

وبنتيجة إصرار الحاضرين أذن له بأن يرتقي المنبر، فقام علي بن الحسين عليه السلام وخطب. طبعاً لن اذكر لخطاب لأنه طويل قليلاً لكن الشاهد..

فحمد الله وأثنى عليه، ثم  ـ يقول المؤرخون ـ خطب خطبة أبكى منها العيون، "يعني، دمشق، المسجد الأموي يبكي لما جرى في كربلاء ويبكي لما جرى على الحسين عليه السلام في محضر القاتل" ثم خطب خطبة أبكى منها العيون وأوجل منها القلوب.

ثم قال أيها الناس أعطينا ستة، وفضلنا بسبع: أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين.

وفضّلنا بأن منا النبي المختار  محمداً صلى الله عليه وآله، ومنّا الصدّيق ومنا الطيّار ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمة. من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.

أيها الناس، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، يعني ابن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله

أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا بن خير من حج ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السما، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى صلى الله عليه وآله.

أنا لست من الترك ولا من الديلم، أنا لست من الخوارج، أنا ابن نبيكم وابن رسولكم وابن هاديكم وابن سيدكم، وهذه النساء هن عماتي وأخواتي وبنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

إلى أن يكمل عليه السلام: أنا ابن، أنا ابن، أنا ابن، ويقول ما جرى من أحداث، ثم يقول أنا ابن فاطمة الزهراء أنا ابن سيدة النساء، فلم يزل يقول أنا أنا، تذكروا في دمشق بين يدي يزيد حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة، كاد المسجد  وسكان المسجد أن يقوموا ويثوروا فأمر المؤذن أن يؤذن ويقطع عليه الكلام. هو ظن أنه إذا قطع عليه الكلام انتهت القصة، فلما قال المؤذن الله اكبر الله اكبر قال علي الإمام السجاد: لا شيء أكبر منه، فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله قال علي ابن الحسين شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي، فلما قال المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك؟ يا يزيد فان زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت وإن زعمت أنه جدي فلمَ قتلت عترته، هذا جزء من الصدح بالحق والتعريف بالحقيقة وعندما عرف أهل دمشق الحقيقة غضبوا وحزنوا وثاروا حتى خاف يزيد من الفتنة.

هنا، عندما يتحدث زين العابدين يقول: أنا أنا أنا أنا هو لا يريد أن يفتخر على الناس بنفسه، هو يريد أن يعرّف لهم نفسه، أن يعرّف لهم حقيقة هذه المجموعة التي قتلت وسبيت وأهينت وجيء بها على مدى 2000 كيلو متر.

وكذلك الشاهد الآخر من زينب عليها السلام وأيضاً في قصر يزيد. وفي كلا هذين الشاهدين نجد العز، الإرادة، التوكل، الثقة، اليقين بوعد الله سبحانه وتعالى، الإحساس بالعزة رغم القيود والسلاسل والعذابات والآلام. تصوروا امرأة سيدة شاهدت ما شاهدت في كربلاء ومشت كل هذه المسافة الطويلة ورأس أخيها وإخوانها وأبناء عماتها وأبناء أخوتها رؤوسهم أمام عيونها في الليل وفي  النهار وعلى طول الطريق كيف يمكن أن يكون حالها، وهي سيدة. والمرأة بطبيعة الخلقة مجبولة على العاطفة وعلى الحنان، ومع ذلك قامت كالجبل الصلب في مجلس يزيد عندما شاهدته ورأس الحسين أمامه ينكث بعصاه ثغر أبي عبد الله الحسين عليه السلام لم تتحمل هذا المنظر، قامت وخطبت وحولها الجلاوزة والحراب والسيوف التي يمكن أن تقطّعها إرباً إربا لكنها لم تخف ولم تخشَ.

وينقل لنا التاريخ إنه عندما سمعته يقول وهو ينكث شفتي أبي عبد الله الحسين عليه السلام يقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا ولقالوا يا يزيد لا تشلّ فجزيناهم ببدر مثلها وأقمنا مثل بدر فاعتدل، لم تتحمل ذلك.

وقفت وقالت: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على جدي سيد المرسلين ـ لتقول للناس إن محمداً جدي وأنا ابنته ـ صدق الله سبحانه كذلك يقول، ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوء أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون".

سأتلو فقط مقطعاً، والخطبة أيضاً طويلة، أظننت يا يزيد ـ انظروا إلى القوة، الإرادة، الصلابة، العزيمة، الثقة، العزة ـ أظننت يا يزيد حين أخذتَ علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء فأصبحنا لك في إسار نساق إليك سوقا في قطار وأنت علينا ذو اقتدار، أنّ بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا، وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك فشمخت بأنفك ونظرتَ في عطفك فمهلاً مهلا،  "طوّل بالك، على ماذا تستعجل أنت".

فمهلاً مهلا، لا تطش جهلا، أنسيت قول الله "ولا يحسبنّ الذين كفروا إنما نُملي لهم خيراً لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً، ولهم عذاب مهين".

أمن العدل يا ابن الطلقاء ـ تذكره بطلقاء مكة لأنه أخذها إلى بدر هي أخذته إلى فتح مكة ـ أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت  سترهن وأبدَيت وجوههنّ  يحدو بهنّ  الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناقل ويبرزن لأهل المناهل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف والوضيع  والدنيّ والرفيع ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي، عتواً منك على الله وجحوداً لرسول الله ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غرو منك ولا عجب من فعلك وأنّى يرتجى من لفظ فوه أكباد الشهداء ـ تذكر بجدّته هند ـ ونبت لحمه  بدماء السعداء ونصب الحرب  لسيد الأنبياء وجمع الأحزاب وشهر الحراب.. إلى أن تقول له بعد مسافة " وما فريت إلا جلدك وما جززت إلا لحمك وسترد على رسول الله بما تحملت من ذريته حيث يجمع به شمله ويلم به شعثه وينتقم من ظالمهم ويؤخذ لهم بحقهم من أعدائهم، فكد كيدك وناصب جهدك فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت أمرنا ولا تدرك أمدنا ولا تبلغ غايتنا وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد" والحقيقة هي ما قالتها السيدة زينب في قصر يزيد فلم يكن رأيه إلا فنداً وأيامه إلا عدداً وجمعه إلا بدداً.

واستطاع هذا الدم الزكي الذي استنهض الأمة وأثار الأمة كلها بمسلميها ومسيحييها، والتاريخ يذكر لنا كيف تعاطت الكنائس المسيحية في بلاد الشام مع موكب السبايا ومع رأس أبي عبد الله الحسين (ع) ومستوى التأثر الكبير والعظيم والحزن الذي أظهرته  والتنديد الذي قالته في أكثر من مجلس حتى في مجلس يزيد نفسه عندما وقف مسيحي في مجلس يزيد وقال ليزيد " أنا من نسلي فلان من حواري السيد المسيح(ع) وبيني وبين أبي، يعني جده الأكبر الذي هو من الحواريين، مئات السنين، ومع ذلك ما زال الناس يتبركون بي، وهذا ابن بنت نبيكم وما زال عهدكم بنبيكم طرياً تقتلونه وتقطعون رأسه وتسبون نسائه" فأخذ وقتل.

هذا الموكب هو الذي في الحقيقة هز التاريخ، هذا الموكب هو صوت الدم، ولذلك نحن نقف في يوم الأربعين لنحيي زينب وصرخة زينب وزين العابدين، وما إحياؤنا اليوم في مدينة بعلبك إلا لخصوصية المكان والزمان، فهذه المدينة دخل إليها موكب السبايا سنة 61 للهجرة بين العاشر من محرم والعشرين من صفر، هنا حيث أنتم حط موكبهم الرحال، هنا وضعت الرؤوس الشريفة والمباركة، وهنا قطرات من دم الشهادة، وهنا صلّى الإمام زين العابدين (ع) والسيدة زينب (ع) على أرضكم فتقدست هذه الأرض، وهنا أقيم للموكب المشاهد، وهنا ترك الموكب بعض فلذات الأكباد، بما يعني السيدة خولة(ع). هنا مشهد لجنين سقط وهناك مشهد لجنين سقط.

أردنا هذا العام أن نحيي هذا المعنى وأنا أريد أن أشكركم لأنكم أتيم من كل المنطقة، الأربعين في لبنان بالنسبة إلينا سيكون من الآن فصاعداً هو أربعين مدينة بعلبك لخصوصية المكان. هذا الإحياء اليوم هو بداية، يجب ان نتعاون جميعاً على مدى السنوات المقبلة لمن بقي على قيد الحياة، على تركيز وترسيخ وتطوير هذا الإحياء وهذه المناسبة. وهذه المنطقة التي تشرفت بموكب آل رسول الله وأهل بيت رسول الله ورأس أبي عبد الله الحسين(ع) وصلاة زين العابدين(ع)، هي في الحقيقة كانت الوفية لهذا الموكب لصرخته لشعاره لحقيقته لقيمه، وقد شاء الله سبحانه وتعالى بعد كل هذه القرون أن تنطلق المقاومة في لبنان سنة 1982 لتحطم أخطر مشروع أميركي – صهيوني كان يستهدف تغيير هوية لبنان وتغيير حقيقة لبنان وإلحاق لبنان بالمشروع الصهيوني وإلى الأبد، خرجت المقاومة الإسلامية من أرض بعلبك من مدينة بعلبك من بيوت بعلبك من هذه الساحة التي تجتمعون بها الآن لتلبي للحسين بعد مئات السنين صرخته ونداءه "لبيك يا حسين".

في هذه الساحة نستحضر كل تلك الأيام عندما قيل أن إسرائيل هزمت الجميع، نستحضر تلك الأيام التي أصيب بها الكثيرون بالانهيار ونظروا للهزيمة والسقوط والاستسلام. نستحضر تلك الأيام التي خرج فيها قائدنا وسيدنا وأستاذنا سيد شهداء مقاومتنا السيد عباس الموسوي رضون الله تعالى عليه. في هذه الساحة عندما خلع لباسه الديني وارتدى لباساً عسكرياً وحمل البندقية وخاطب شباب البقاع ودعاهم للالتحاق بمعسكرات التدريب وبساحات المقاومة. وبعلبك منذ ذلك الحين أرض المقاومة وقلعتها وحصنها وعرينها في الشدائد وفي المصائب وفي البلايا. واليوم عندما يجتمع البقاع كله في بعلبك ليحي ذكرى الحسين(ع) في أربعينه وهو يجمع خصوصية المكان حيث ذكرى الموكب الذي دخل المدينة وخصوصية الزمان، أربعين الحسين(ع)، وخصوصية المناسبة الكربلائية، والوفاء الذي أعلنتموه وقدمتم تحت لوائه الآلاف من أبنائكم من أحبائكم من فلذات أكبادكم شهداء، بيوتكم دمرت مثل خيام الحسين(ع) ولم تترددوا. أطفالكم مزقت أشلاؤهم في بلدات البقاع كطفل الحسين ولم تترددوا. هجرتم من دياركم لأسابيع ولم تهنوا ولم تحزنوا، ولذلك أنتم جديرون بحمل هذه الراية واحتضان هذه المناسبة والتأسيس لها في كل السنوات الآتية إنشاء الله.

في يوم المظلوم، في يوم الثائر، في يوم المقاومة والمجاهد، في يوم الدم المنتصر على السيف والحق الذي يزهق الباطل لا بد من كلمة في المنطقة، إنا في يوم الحسين (ع) نوجه التحية لشعب تونس الثائر المنتفض القائم بالحق الذي ينادي بحريته وكرامته وعزته وحقه، ويرفض الخنوع للطاغية ولقمعه وقهره وسلطانه. منا من لبنان المقاومة لشعب تونس كل التحية والدعوة إلى الوعي إلى الوحدة إلى التماسك إلى مواصلة العمل إلى عدم السماح لأحد بأن يخدعهم ليضيع انجازات انتفاضتهم ودماء شهدائهم. بالأمس سمعنا أن السيد جيفري فيلتمان، عزيز بعض اللبنانيين الذين ينادونه "بالصديق جيف"، قد سافر إلى تونس. هذه علامة شؤم. الشعب التونسي يجب أن يكون واعياً. عندما يأتي فيلتمان ويقول أنه يريد أن يتحدث مع الحكومة التونسية المؤقتة عن الإجراءات وعن الانتخابات وعن الحريات، فعلينا أن نعرف أن هناك مؤامرة أميركية جديدة تحاك بالخفاء وبالعلن على انتفاضة وعلى قيام هذا الشعب، ويجب أن يرفض هذا التدخل الأميركي في الشأن التونسي، وإلا حيث تأتي أمريكا وخصوصاً هذا المشعوذ فيلتمان يأتي الخراب ويأتي التمزق وتأتي الفتنة.

في يوم المظلوم يجب أن نذكر الشعب الفلسطيني الأبي، الشعب المحاصر في غزة والمضطهد في الضفة وآلاف المعتقلين الفلسطينيين في السجون. العالم يتحدث عن شاليط عن جندي قاتل معتد وينسى آلاف الفلسطينيين المظلومين أصحاب الحق وأهل الحق. نستذكر المنازل التي تهدم في القدس الشرقية وغيرها من أراضي الـ 48، ونستحضر القدس التي أعلن اليوم أيضاً عن استكمال بعض الحفريات الموصلة إلى المسجد الأقصى. نستذكر ملايين اللاجئين الذين يتآمر العالم كله على إبعادهم عن أرضهم وديارهم وحقولهم وحقوقهم ومقدساتهم وينظر كيف يشتتهم في الأرجنتين وفي البراغواي  وفي استراليا وفي غيرها، ونقول في أربعين الإمام الحسين (ع)، نحن في بعلبك ، نحن في البقاع، نحن في لبنان، نحن في حزب الله، نحن في المقاومة الفلسطينية منذ اليوم ألأول آمنا بفلسطين وبشعب فلسطين وبمظلومية فلسطين، وعلى هذا الطريق قدّمنا أغلى شهدائنا، وسوف نبقى إلى جانب هذا الشعب، نضحي معاً، نقاتل معاً، نستشهد معاً، وسنصنع النصر معاً إنشاء الله.

في يوم المظلوم يجب أن ندين أيادي الإجرام والقتل التي لا تتحمل حتى حرية إقامة الشعائر الدينية لمن يختلف معهم في الفكرة أو في الرأي، وما الشهداء الذين مضوا على طريق كربلاء وفي كربلاء هذا العام، من زوار أبي عبد الله الحسين (ع) إلا ضحايا هذا الظلام وهذا الجحود وهذا الإجرام، ولكن مع ذلك إن كل هذا الترهيب وهذا القتل استطاع أن يحول بين الملايين العشاق والوصول إلى ضريح أبي عبد الله الحسين (ع)، ليؤدوا هناك عناوين الوفاء والطاعة والحب والعشق والتمسك بالحسين(ع) مهما بلغت التضحيات.

في لبنان: لا شك أننا في الوضع اللبناني  نعيش هذه الأيام مرحلة صعبة وحساسة، وهي بحاجة إلى تصرف مسؤول وفعل مسؤول وكلام مسؤول. ما نطمح إليه أن نتعاون جميعاً للعبور من هذه المرحلة الدقيقة. نحن في مواجهة التطورات والأحداث، لجأنا إلى المؤسسات الدستورية وإلى الخيارات القانونية، كما يقال.

 في مواجهة القرار الظني الذي يستهدف المقاومة، قمنا بعمل طبيعي هو  حقنا الدستوري، قدّم وزراء المعارضة استقالهتم وأسقطوا  الحكومة العاجزة. ثم ذهبنا إلى استشارات نيابية أدت إلى نتيجة واضحة. وقبل قليل عندما كنتم مشغولين بالاحتشاد والمراسم أُعلن على شاشات التلفزيون أن فخامة رئيس الجمهورية كلّف دولة الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.

بطبيعة الحال نحن نتفهم كل المشاعر لأنه كانت هناك أعصاب مشدودة وكان هناك توتر سياسي وتوتر نفسي وتوترعاطفي واعلامي خلال الاسابيع القليلة الماضية. معركة الاستشارات كانت معركة قوية جداً. وأنا أقول لكم: كثيرون في هذا العالم تدخّلوا في هذا الأمر، تصوروا أن نائب الرئيس الأميركي  السيد بايدن يتصل برؤساء أحدى الكتل النيابية ليطلب منه التصويت للرئيس سعد الحريري، دول تدخلت، اتصالات كثيرة حصلت ومع ذلك نحن نتفهم هذا الأمر ونقول: هذه معركة سياسية تدخّل فيها كثيرون وبذلت فيها جهود كبيرة، ولكنها كانت في دائرة الوضع القانوني والدستوري.

وصلنا الى هذه النتيجة، وقلت نحن نتفهم الغضب والمشاعر ولكن أود أن أعلق تعليقاً بسيطاً وأعبر من النقطة الى المطلوب: لو فرضنا أن المشهد بالعكس، ولو فرضنا أن المرشح الآخر هو الذي كُلف، وخرج بعض الناس ليتظاهروا كما حصل أمس واليوم، لسمعتم أيها الطيبون أنه بدأ التنديد من واشنطن، لم يبقَ في واشنطن (أحد) من الخارجية إلى البنتاغون والبيت الأبيض ومن الممكن أوباما شخصياً، إلى عواصم الغرب إلى العديد من العواصم العربية، لشهدتم حملة وهجمة إعلامية عالمية وهجمة سياسية عالمية تصف الذين خرجوا ـ لو كانوا من المعارضة ـ بأنهم انقلابيون وديكتاتوريون وخارجون عن القانون ورافضون لإرادة المؤسسات الدستورية وما الى ذلك مما كنتم تسمعونه خلال سنوات، أليست هذه هي الحقيقة؟ لكن لأن التظاهر ـ وأعود وأقول نتفهمه ـ من فريق آخر هو في الحقيقة فريقهم، نجد العالم كله سكت، من يتحدث عن احترام الشرعية اللبنانية والغالبية النيابية والمؤسسات الدستورية واللعبة الديمقراطية والحق الدستوري سكت، هذا للعبرة فقط ولمزيد من أن تتأكدوا من أن الأمور هكذا، ليست هناك معايير واحدة. إذا كنتم تحترمون الأغلبية النيابية فهذه أغلبية نيابية وتلك كانت أغلبية نيابية، لماذا تحترمون تلك الأغلبية ولا تحترمون هذه، لماذا تحترمون إرادة تلك ولا تحترمون إرادة هذه، إذا كان التظاهر والخروج الى الشارع وقطع الطرق حق ديمقراطي قانوني فلماذا كنتم تدينون المعارضة؟ وإذا لم يكن حقاً قانونياً وديمقراطياً فلماذا تسكتون عن غير المعارضة؟ هذا كله يؤكد أن الحاكم لدى الادارة الامريكية  والغربية وكثير من إدارات الدنيا ليست وحدة المعايير، ليس الحق كمعيار أو القيم، وإنما الحسابات السياسية والمصالح السياسية والاصطفاف خلف فريق في مواجهة فريق آخر.

اليوم من المفترض أن كل الذين حاضروا فينا خلال 5 سنوات و6 سنوات من 2005 بالحضارة والديمقراطية وإرادة الغالبية وإلى آخره أعتقد أن اليوم انتهت هذه المحاضرات، وهناك وضع آخر.

في كل الأحوال أنا أدعو اللبنانيين إلى اغتنام الفرصة القائمة، اليوم هناك فرصة جديدة، التهويل على دولة الرئيس نجيب ميقاتي لن يجدي نفعاً ومحاولة التزوير، ويبدو أن بعض المجموعات القيادية وليس الناس الطيبين، فالناس في الشارع هم أناس طيبون مخلصون ولديهم أفكار معينة، لكن بعض المجموعات القيادية التي تعرف ماذا تفعل والتي كانت قد قدّمت التزامات طويلة وعريضة تعرف جيداً، يبدو أنهم أصبح لديهم خبرة كبيرة في تزوير الأمور والحقائق وقلب الأمور، بدءاً من التحقيق الدولي والمحكمة الدولية واختراع شهود زور وصولاً الى التزوير الجديد، يريدون أن يأتوا ليقولوا إن رئيس الحكومة المكلف هو (من) حزب الله، لم يكن الرئيس نجيب ميقاتي كذلك وهو ليس الآن كذلك، وفي الـ2009 كنتم حلفاء وشركاء في الانتخابات النيابية وعلى لائحة واحدة والرجل في العموم هو رجل وسطي، ولم يكن لا في فريق 8 آذار ولا في فريق المعارضة، والقول بأنه مرشح حزب الله في محاولة للضغط عليه وفي الحقيقة هذه الكلمة المقصود منها التحريض المذهبي ومفهوم ماذا يراد ان يقال.

الأمر ليس كذلك، المعارضة كان تتجه باتجاه ترشيح آخر وفي آخر 48 ساعة قرر الرئيس نجيب ميقاتي أن يترشح، وجدت المعارضة في ترشيح نجيب ميقاتي ـ وما أقوله هو الصحيح والدقيق ـ فرصة للبنان, فرصة للخروج من التحدي، فرصة لمعالجة الأمور وتدوير الزوايا لأن المعارضة لم تكن تريد أن تدخل معركة كسر عظم مع الفريق الآخر، نعم لديها تحفظ على شخص محدد لرئاسة الوزراء ولكنها ليست في وارد لا الإلغاء ولا الشطب ولا تشكيل حكومة من لون واحد فوجدت في ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي فرصة للبلد فتبنّت هذا الترشيح ودعمته، فلا رئيس الحكومة المقبلة هو (من) حزب الله ولا الحكومة المقبلة هي حكومة حزب الله (على كل الاحوال صيت الغنى أحسن من صيت الفقر) ولا الحكومة المقبلة يقودها حزب الله، وهذا كله للتضليل في الداخل ولتحريض الخارج على لبنان أي خارج، الشعوب العربية والإسلامية ستكون حزينة لو أن حركة مقاومة هي تقود السلطة في لبنان؟ بالتأكيد لا، الخارج الذي يراد تحريضه هو أميركا وإسرائيل وكل أولئك القلقين على المشروع الأميركي الإسرائيلي في منطقتنا، هذه هي الحقيقة، ولذلك أنا أتمنى على هؤلاء أن يوقفوا التزوير لأنه لن يؤدي الى نتيجة، وعندما نسمع المزيد من الافتراء والكذب والتزوير نزداد إيمانا بصدقنا، بحقنا، بحقيقتنا، بالافتراء علينا لاننا لسنا كذلك.

وأنا أقول وأكرر: نحن لسنا طلاب سلطة ولا حكومة، ونحن حتى عام 2005 لم ندخل إلى أي حكومة في لبنان وإن كنا قد دُعينا إليها لمرات عديدة. وفي السنة الأخيرة قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري أصر كثيراً على أن نشارك في الحكومة المقبلة وأنا كنت أقول له: نحن لا نريد الدخول في الحكومة، نحن لم نكن في يوم من الأيام نطلب وزارة ولا إدارة ولا حكومة وكل ما كنا نقوله للحكومات المتعاقبة وما زلنا نقوله الآن إننا نحن مقاومة وحركة مقاومة ونحن نذرنا أنفسنا للدفاع عن البلد وحماية البلد والدفاع عن كرامة اللبنانيين والعرب، لرفع رؤوس اللبنانيين والعرب، واستعادة الأرض والمقدسات، فقط نحن نريد منكم شيئين أولاً: "حلّوا عنا"، لا تتآمروا علينا ولا تقتلونا ولا تطعنوننا بالظهر ولا نريد حتى الحماية منكم، لا نريد سوى عدم التآمر علينا، يكفينا هذا، وانا قلت هذا لكثيرين، دعونا، نحن أناس ذاهبون لنموت في الجنوب، وشبابنا يأتون من بعلبك ومن الهرمل ومن أقاصي الهرمل ليقتلوا في الجنوب، نحن نريد أن نُقتل، وأنتم تضحكون علينا وتقولون إننا أناس بسطاء ومساكين ولا مشروع سياسي لدينا، وإن مشروعنا الشهادة، حسنا دعونا نستشهد ولكن لا تطعنونا في ظهرنا، دعونا نقتل برصاص يتوجه الى صدورنا وليس الى ظهورنا. متى تنافسنا على حكومة أو على وزارة أو على سلطة؟، ثانيا: قلنا نقول لهم اهتموا بالناس واخدموا الناس خصوصاً في المناطق المحرومة في عكار والبقاع والشمال وطرابلس، خلال 5 سنوات من حكومة ذاك الفريق ماذا فعلوا للمناطق المحرومة؟ ماذا فعلوا لعكار وطرابلس والشمال، وأنا لا أتكلم عن بعلبك الهرمل. هذا كل ما كنا نصبو إليه ونتطلع إليه، نحن لسنا طلاب سلطة ولا طلاب حكومة ، أيها الناس نحن عقولنا في مكان آخر وعيوننا في مكان آخر، أناس تذهب وتنام ونحن نذهب لنتدرب ونتجهز ونستعد لأننا نؤمن بأن هناك تحولات كبرى ستحصل في المنطقة، لأننا نؤمن بأن هناك خطراً إسرائيلياً قائماً وقادماً وداهماً، لأننا نؤمن بأن الشعب الفلسطيني في معرض الخطر داخل فلسطين، لأننا نؤمن بأن المقدسات الإسلامية والمسيحية في أعلى درجات الخطر، لأننا نقرأ ما يجري في المنطقة، نحن عقولنا وقلوبنا في مكان آخر، أنتم أتيتم بنا الى الساحة الداخلية لأنكم منذعام 2005 ذهبتم الى واشنطن وقدّمتم التزامات، منذ 2005  تتآمرون على المقاومة وعلى سلاحها وعلى وجودها، وقدمتم التزامات، حتى طاولة الحوار كان هدفها نزع سلاح المقاومة وفشلتم، أنتم استدعيتم حرب تموز على المقاومة في لبنان وفشلتم، واليوم يأتي مشروع المحكمة الدولية لينال من المقاومة وستفشلون وسيفشل.

اليوم أنا أجدد القول، نحن لسنا طلاب حكومة، بل بالعكس، نحن يتم انتقادنا من أوساط عديدة في المعارضة أننا لا نريد السلطة وتسمعون بعض الاصوات، وينتقدوننا في الجلسات الداخلية وأحيانا في وسائل الاعلام ، إلى حد أن بعض أوساط المعارضة في الانتخابات عام 2009 اتهمت حزب الله بعدم الجدية في الانتخابات لأنه لا يريد أن يصل إلى السلطة ولا يريد أن يشكل حكومة معارضة، أليست هذه هي الوقائع؟

أكبر كذب وأكبر تزوير هو اتهام حزب الله بأنه يريد أن يسيطر على الدولة وعلى الحكومة وأن يفرض رئيس وزراء وأن يمسك بالبلد، الكثير من الأحزاب والقوى تقول لنا إن مشكلتكم أنكم لا ترون إلا المقاومة وتتركون الوضع الداخلي، وإذا دخلت إلى الوضع الداخلي فمن زاوية الدفاع عن المقاومة فقط، أصدقاؤنا يقولون لنا هذا وأخصامنا يتهموننا بأننا نريد أن نسيطر على السلطة ونمسك البلد ونريد أن نعمل مشروعا إيرانياً ومشروعاً فارسياً، ونحن عالقون في الوسط. هذا كله كلام لا يوصل إلى نتيجة.

بالنسبة لحزب الله نحن لدينا رؤية واضحة، نحن دعمنا ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي وندعوه إلى تشكيل حكومة شراكة وطنية وحكومة إنقاذ وطني، اللبنانيون اليوم أمام فرصة حقيقية للمّ الشمل، لا غالب ولا مغلوب، تعالوا نتعاون ونلتقي في إطار حكومة واحدة. إن رفض المشاركة في هذه الحكومة يعني أنكم تريدون السلطة لوحدكم وأنكم حاضرون أن تفعلوا أي شيء من أجل السلطة، وتتهموننا ونحن لا نبحث عن السلطة، نحن نقول: لا تطعنوا المقاومة وليس لدينا مشكل معكم. لدينا ضمناً مشاكل كثيرة حول سياساتكم الاقتصادية والمالية والأوضاع الداخلية والملفات الداخلية ولكن كنا حريصين في هذا الأمر أن نتعاون ونتعايش ونتحاور ونحل المسائل وليس على قاعدة الشطب والإلغاء، الأمر يتوقف على اللبنانيين، إن لم نلتق ونتعاون ونعط الرئيس ميقاتي فرصة النجاح، إن لم نسعَ سويا إلى تشكيل حكومة شراكة وطنية وإنقاذ وطني فإلى أين تريدون أن تأخذوا البلد؟

لأكون صريحا مع الفريق الآخر: العالم "مش فاضيلكم" ولديه هموم الدنيا، الدول لديها هموم كثيرة والدول الإقليمية أيضاً لديها هموم كثيرة، تعالوا حتى لا نضيع الوقت.

 أما فيما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية والتهويل الإسرائيلي والإسرائيليون دخلوا على الخط، وأنه الآن لبنان أصبح كله حزب الله وهذه حكومة يقودها حزب الله "ويا غيرة الدين ولا ندري ماذا ستفعل إسرائيل في البلد" فماذا ستعمل إسرائيل بالبلد أكثر مما قامت به؟

هل الذي يحمي البلد هو الحكومة؟ لا الحكومة السابقة ولا القادمة تحمي البلد. وهل الذي يحمي البلد هو الولايات المتحدة الأميركية، حتى نقول إن أمريكا ستتخلى عن لبنان؟ وهل بعض المواقع الإقليمية هي التي تحمي البلد، حتى يقال إنها ستتخلى عن لبنان؟

لبنان منذ زمن متروك لإسرائيل، قبل العام 78 وفي عام 78 والعام 82 بعض القادة الفلسطينيين في بيروت كانوا يقولون إننا نقصف بالطائرات الإسرائيلية ونشم منها رائحة النفط العربي، لبنان الذي يحميه جيشه وشعبه ومقاومته، وجيشه موجود وشعبه حاضر ومقاومته جاهزة، الذي يمنع إسرائيل من الاعتداء على لبنان ليس شكل الحكومة ولا من هو رئيسها  ولا ماهية تركيبة الحكومة وإنما توازن الردع الذي أوجدته المقاومة في لبنان ويعترف به الصهاينة. لا تقلقوا من أي تهويلات وتهديدات إسرائيلية، لا تقلقوا من أي كلام يقال في العالم، كلنا نستطيع أن نعبر هذه المرحلة ولبنان اليوم مسؤولية الجميع والفرصة أمام الجميع وأنا مجددا أدعو لاغتنام هذه الفرصة ومن لا يريد أن يشارك فليعطِ حكومة الرئيس ميقاتي فرصة ولو سنة واحدة  وبعد ذلك فليحاكمها، أما الانقضاض على هذه الحكومة في الإعلام وفي الشارع  والى آخره فهذا دليل على أنه لا يريد أحد لا لعبة ديمقراطية ولا تداول سلطة ولا عمل مؤسسات وإنما يريد أن كون "أنا أو لا أحد".

أيها الأخوة والأخوات، عظم الله أجوركم بمصابكم بإمامكم وبارك الله في حضوركم وإحيائكم لهذه الذكرى العزيزة والغالية وانتم بحمد الله أبناء هذا الطريق وأبناء هذه التضحيات.

مجدداً انتم مدعوون للحكمة، للصبر، للتحمل، للثبات ولاستمرار الحضور، والحسين عليه السلام سوف يبقى يناديكم لمواجهة التحدي الإسرائيلي ومواجهة التحدي الأمريكي ومواجهة كل طواغيت الأرض، والحسين عليه السلام سمع صوتكم خلال كل السنوات الماضية واليوم في ذكرى أربعين الحسين عليه السلام نريد أن نسمعه صوتنا ونقول له يا سيدنا وإمامنا  نحن لن نغادر الساحات، لن نبخل بالدم ولن نبخل بالعطاء، سوف يبقى صوتك هادراً فينا وصوتنا مجلجلاً في التاريخ "لبيك يا حسين".


 

دغدغه‌های امت

دغدغه‌های امت

صدر عراق/ به مناسبت سالگرد شهادت آیت الله سید محمدباقر صدر
شماره ۲۶۲ هفته نامه پنجره به مناسبت سالگرد شهادت آیت الله سید محمدباقر صدر، در پرونده ویژه‌ای به بررسی شخصیت و آرا این اندیشمند مجاهد پرداخته است. در این پرونده می‌خوانید:

-...

رادیو اینترنتی

نمایه

صفحه ویژه جنگ ۳۳ روزه
بخش کوتاهی از مصاحبه سید حسن نصرالله با شبکه المیادین به روایت دوربین دوم

نماهنگ

کتاب


سید حسن نصرالله